المفهوم والمصداق
(المفهوم) : نفس المعنى بما هو ، أي نفس الصورة الذهنية المنتزعة من حقائق الاشياء.
و(المصداق) : ما ينطبق عليه المفهوم ، أو حقيقة الشيء الذي تنتزع منه الصورة الذهنية (المفهوم).
فالصورة الذهنية لمسمى (محمد) مفهوم جزئي ، والشخص الخارجي الحقيقي مصداقه. والصورة الذهنية لمعنى (الحيوان) مفهوم کلي ، وافراده الموجودة وما يدخل تحته من الکليات کالانسان والفرس والطير مصاديقه. والصورة الذهنية لمعنى (العدم) مفهوم کلي ، وما ينطبق عليه وهو العدم الحقيقي مصداقه ... وهکذا.
(لفت نظر) :
يعرف من المثال الاول ان المفهوم قد يکون جزئياً حقيقياً واضافياً. ويعرف من الثالث أن المصداق لا يجب أن يکون من الامور الموجودة والحقائق العينية ، بل المصداق هو کل ما ينطبق عليه المفهوم وان کان أمراً عدمياً لا تحقق له في الاعيان.
العنوان والمعنون او دلالة المفهوم على مصداقه
اذا حکمت على شيء بحکم قد يکون نظرک في الحکم مقصوراً على المفهوم وحده ، بأن يکون هو المقصود في الحکم ، کما تقول : (الانسان : حيوان ناطق) فيقال للانسان حينئذ الانسان بالحمل الاولي.
وقد يتعدي نظرک في الحکم الى أبعد من ذلک ، فتنظر الى ما وراء المفهوم ، بأن تلاحظ المفهوم لتجعله حاکياً عن مصداقه ودليلاً عليه ، کما تقول : (الانسان ضاحک) أو (الانسان في خسر) ، فتشير بمفهوم الانسان الى اشخاص افراده وهي المقصودة في الحکم ، وليس ملاحظة المفهوم في الحکم وجعله موضوعاً الا للتوصل الى الحکم على الافراد. فيسمى المفهوم حينئذ (عنواناً) والمصداق (معنوناً). ويقال لهذا الانسان : الانسان بالحمل الشايع.
ولأجل التفرقة بين النظرين نلاحظ الامثلة الآتية :
١ ـ اذا قال النحاة : «الفعل لا يخبر عنه». فقد يعترض عليهم في بادي الرأي ، فيقال لهم : هذا القول منکم اخبار عن الفعل ، فکيف تقولون لا يخبر عنه؟
والجواب : ان الذي وقع في القضية مخبراً عنه ، وموضوعا في القضية هو مفهوم الفعل ، ولکن ليس الحکم له بما هو مفهوم ، بل جعل عنواناً وحاکياً عن مصاديقه وآلة لملاحظتها ، والحکم في الحقيقة راجع للمصاديق نحو ضرب ويضرب. فالفعل الذي له هذا الحکم حقيقة هو الفعل بالحمل الشايع.
٢ ـ واذا قال المنطقي : «الجزئي يمتنع صدقه على کثيرين» ، فقد يعترض فيقال له : الجزئي يصدق على کثيرين ، لان هذا الکتاب جزئي ومحمد جزئي وعلي جزئي ، ومکة جزئي ، فکيف قلتم يمتنع صدقه على کثيرين؟
والجواب : مفهوم الجزئي أي الجزئي بالحمل الاولي : کلي؛ لا جزئي؛ فيصدق على کثيرين ، ولکن مصداقه أي حقيقة الجزئي يمتنع صدقه على الکثير ، فهذا الحکم بالامتناع للجزئي بالحمل الشايع ، لا للجزئي بالحمل الاولي الذي هو کلي.
٣ ـ واذا قال الاصولي : «اللفظ المجمل : ما کان غير ظاهر المعنى» ، فقد يعترض في بادي الرأي فيقال له : اذا کان المجمل غير ظاهر المعنى فکيف جاز تعريفه ، والتعريف لا يکون الا لما کان ظاهراً معناه؟
والجواب : مفهوم المجمل أي المجمل بالحمل الاولي مبين ظاهر المعنى لکن مصداقه أي المجمل بالحمل الشايع کاللفظ المشترک المجرد عن القرينة غير ظاهر المعنى. وهذا التعريف للمجمل بالحمل الشايع.