ومنها : مثل قوله (تعالى) : ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ﴾ وقوله (تعالى) : ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ﴾ ممّا أسند الحكم فيه ـ كالتحريم والتحليل ـ إلى العين.
فقد قال بعضهم بإجمالها ؛ نظرا إلى أنّ إسناد التحريم والتحليل لا يصحّ إلاّ إلى الأفعال الاختياريّة. أمّا : الأعيان فلا معنى لتعلّق الحكم بها ، بل يستحيل. ولذا تسمّى الأعيان «موضوعات للأحكام» ، كما أنّ الأفعال تسمّى «متعلّقات».
وعليه ، فلا بدّ أن يقدّر في مثل هذه المركّبات فعل تصحّ إضافته إلى العين المذكورة في الجملة ، ويصحّ أن يكون متعلّقا للحكم ، ففي مثل الآية الأولى يقدّر كلمة «نكاح» مثلا ، وفي الثانية «أكل» ، وفي مثل ﴿وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها﴾ يقدّر «ركوبها» ، وفي مثل ﴿النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ﴾ يقدّر «قتلها» ... وهكذا.
ولكنّ التركيب في نفسه ليس فيه قرينة على تعيين نوع المحذوف ، فيكون في حدّ نفسه مجملا ، فلا يدرى فيه هل إنّ المقدّر كلّ فعل تصحّ إضافته إلى العين المذكورة في الجملة ، ويصحّ تعلّق الحكم به ، أو أنّ المقدّر فعل مخصوص كما قدّرناه في الأمثلة المتقدّمة؟
والصحيح في هذا الباب أن يقال : إنّ نفس التركيب ـ مع قطع النظر عن ملاحظة الموضوع والحكم وعن أيّة قرينة خارجيّة ـ هو في نفسه يقتضي الإجمال لو لا أنّ الإطلاق يقتضي تقدير كلّ فعل صالح للتقدير ، إلاّ إذا قامت قرينة خاصّة على تعيين نوع الفعل المقدّر. وغالبا لا يخلو مثل هذا التركيب من وجود القرينة الخاصّة ولو قرينة مناسبة الحكم والموضوع. ويشهد لذلك أنّا لا نتردّد في تقدير الفعل المخصوص في الأمثلة المذكورة في صدر البحث ومثيلاتها ، وما ذلك إلاّ لما قلناه من وجود القرينة الخاصّة ولو مناسبة الحكم والموضوع.
ويشبه أن يكون هذا الباب نظير باب «لا» المحذوف خبرها.
ألهمنا الله (تعالى) الصواب ، ودفع عنّا الشبهات ، وهدانا الصراط المستقيم.