الثالثة : أن يكون المتكلّم في مقام البيان ،
فإنّه لو لم يكن في هذا المقام بأن كان في مقام التشريع فقط أو كان في مقام الإهمال ، إمّا رأسا أو لأنّه في صدد بيان حكم آخر ، فيكون في مقام الإهمال من جهة مورد الإطلاق ـ وسيأتي مثاله ـ فإنّه في كلّ ذلك لا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق ؛ أمّا في مقام التشريع بأن كان في مقام بيان الحكم لا للعمل به فعلا بل لمجرّد تشريعه ، فيجوز ألاّ يبيّن تمام مراده ، مع أنّ الحكم في الواقع مقيّد بقيد لم يذكره في بيانه انتظارا لمجيء وقت العمل ، فلا يحرز أنّ المتكلّم في صدد بيان جميع مراده. وكذلك إذا كان المتكلّم في مقام الإهمال رأسا ؛ فإنّه لا ينعقد معه ظهور في الإطلاق ، كما لا ينعقد للكلام ظهور في أيّ مرام. ومثله ما إذا كان في صدد حكم آخر ، مثل قوله (تعالى) : ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ﴾ الوارد في مقام بيان حلّ صيد الكلاب المعلّمة من جهة كونه ميتة ، وليس هو في مقام بيان مواضع الإمساك أنّها تتنجّس ، فيجب تطهيرها أم لا ، فلم يكن هو في مقام بيان هذه الجهة ، فلا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق من هذه الجهة.
ولو شكّ في أنّ المتكلّم في مقام البيان أو الإهمال ، فإنّ الأصل العقلائيّ يقتضي بأن يكون في مقام البيان ، فإنّ العقلاء كما يحملون المتكلّم على أنّه ملتفت غير غافل وجادّ غير هازل عند الشكّ في ذلك ، كذلك يحملونه على أنّه في مقام البيان والتفهيم ، لا في مقام الإهمال والإيهام.
وإذا تمّت هذه المقدّمات الثلاث فإنّ الكلام المجرّد عن القيد يكون ظاهرا في الإطلاق ، وكاشفا عن أنّ المتكلّم لا يريد المقيّد ، وإلاّ لو كان قد أراده واقعا ، لكان عليه البيان ، والمفروض أنّه حكيم ملتفت جادّ غير هازل ، وهو في مقام البيان ، ولا مانع من التقييد حسب الفرض ، وإذا لم يبيّن ولم يقيّد كلامه فيعلم أنّه أراد الإطلاق وإلاّ لكان مخلاّ بغرضه.
فاتّضح من ذلك أنّ كلّ كلام صالح للتقييد ولم يقيّده المتكلّم مع كونه حكيما ملتفتا جادّا وفي مقام البيان والتفهيم ، فإنّه يكون ظاهرا في الإطلاق ويكون حجّة على المتكلّم والسامع.