المسألة الرابعة : هل الإطلاق بالوضع؟
لا شكّ في أنّ الإطلاق في الأعلام بالنسبة إلى الأحوال ـ كما قدّمت الإشارة إليه ـ ليس بالوضع ، بل إنّما يستفاد من مقدّمات الحكمة.
وكذلك إطلاق الجمل وما شابهها ـ أيضا ـ ليس بالوضع بل بمقدّمات الحكمة ؛ وهذا لا خلاف فيه.
وإنّما الذي وقع فيه البحث هو أنّ الإطلاق في أسماء الأجناس وما شابهها هل هو بالوضع أو بمقدّمات الحكمة؟ أي إنّ أسماء الأجناس هل هي موضوعة لمعانيها بما هي شائعة ومرسلة على وجه يكون الإرسال ـ أي الإطلاق ـ مأخوذا في المعنى الموضوع له اللفظ ـ كما نسب إلى المشهور من القدماء قبل سلطان العلماء قدسسره ـ أو أنّها موضوعة لنفس المعاني بما هى ، والإطلاق يستفاد من دالّ آخر ، وهو نفس تجرّد اللفظ من القيد إذا كانت مقدّمات الحكمة متوفّرة فيه؟ وهذا القول الثاني أوّل من صرّح به فيما نعلم سلطان العلماء قدسسره في حاشيته على معالم الأصول ، وتبعه جميع من تأخّر عنه إلى يومنا هذا.
وعلى القول الأوّل يكون استعمال اللفظ في المقيّد مجازا ، وعلى القول الثاني يكون حقيقة.
والحقّ ما ذهب إليه سلطان العلماء قدسسره ، بل قيل : «إنّ نسبة القول الأوّل إلى المشهور مشكوك فيها». ولتوضيح هذا القول وتحقيقه ينبغي بيان أمور ثلاثة تنفع في هذا الباب وفي غير هذا الباب. وبها تكشف للطالب ما وقع للعلماء الأعلام من الاختلاف في التعبير بل في الرأي والنظر. وهذه الأمور التي ينبغي بيانها هي كما يلي :
١. اعتبارات الماهيّة
المشهور أنّ للماهيّة ثلاثة اعتبارات إذا قيست إلى ما هو خارج عن ذاتها ، كما إذا قيست الرقبة إلى الإيمان عند الحكم عليها بحكم ما ، كوجوب العتق. وهى :
١. أن تعتبر الماهيّة مشروطة بذلك الأمر الخارج. وتسمّى حينئذ «الماهيّة بشرط شيء» ، كما إذا كان يجب عتق الرقبة المؤمنة ، أي بشرط كونها مؤمنة.
٢. أن تعتبر مشروطة بعدمه. وتسمّى «الماهيّة بشرط لا» ، كما إذا كان القصر واجبا في الصلاة على المسافر غير العاصي بسفره ، أي بشرط عدم كونه عاصيا لله بسفره ، فأخذ عدم العصيان قيدا في موضوع الحكم.
٣. ألاّ تعتبر مشروطة بوجوده ولا بعدمه ، وتسمّى «الماهيّة لا بشرط» ، كوجوب الصلاة على الإنسان باعتبار كونه حرّا ـ مثلا ـ ، فإنّ الحرّيّة غير معتبرة لا بوجودها ولا بعدمها في وجوب الصلاة ؛ لأنّ الإنسان بالنظر الى الحرّيّة في وجوب الصلاة عليه غير مشروط بالحرّيّة ولا بعدمها ، فهو لا بشرط القياس إليها.
ويسمّى هذا الاعتبار الثالث «اللابشرط القسميّ» في قبال «اللابشرط المقسميّ» الآتي ذكره. وإنّما سمّي «قسميّا» ؛ لأنّه قسم في مقابل القسمين الأوّلين ، أي [الماهيّة] بشرط شيء و [الماهيّة] بشرط لا ، وهذا ظاهر لا بحث فيه.