الصورة الثالثة
إذا كانا معلومي التاريخ مع تقدّم الخاصّ ، فهذه أيضا على صورتين :
١. أن يرد العامّ قبل وقت العمل بالخاصّ ، فلا ينبغي الإشكال في كون الخاصّ مخصّصا ؛
٢. أن يرد بعد وقت العمل بالخاصّ ، فلا مجال لتوهّم وجوب الحمل على النسخ من جهة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ؛ لأنّه من باب تقديم البيان قبل وقت الحاجة ، ولا قبح فيه أصلا. ومع ذلك قيل بلزوم الحمل على النسخ (٣) ؛ ولعلّ نظر هذا القائل إلى أنّ أصالة العموم جارية ، ولا مانع منها إلاّ احتمال أن يكون الخاصّ المتقدّم مخصّصا وقرينة على العامّ ، ولكن أيضا يحتمل أن يكون منسوخا بالعامّ ، فلا يحرز أنّه من باب القرينة. ولا شكّ أنّ الخاصّ المنفصل إنّما يقدّم على العامّ لأنّه أقوى الحجّتين وقرينة عليه. ومع هذا الاحتمال لا يكون الخاصّ المنفصل أقوى في الظهور من العامّ.
قلت : الأصوب أن يحمل على التخصيص ، كالصورة السابقة ؛ لما تقدّم من أنّ العامّ لا يدلّ على أكثر من أنّ المراد جديّ ، ولا يدلّ في نفسه على أنّ الحكم واقعيّ تابع للمصالح الواقعيّة الثابتة للأشياء بعناوينها الأوّليّة ، وإنّما يكون العامّ ناسخا للخاصّ إذا كانت دلالته على هذا النحو ، وإلاّ فالعمومات الواردة في الشريعة على الأغلب ليست كذلك. وأمّا احتمال النسخ فلا يقلّل من ظهور الخاصّ في نفسه قطعا ، كما لا يرفع حجّيّته فيما هو ظاهر فيه ، فلا يخرجه عن كونه صالحا لتخصيص العامّ ، فيقدّم عليه ؛ لأنّه أقوى في نفسه ظهورا.
بل يمكن أن يقال : إنّ العامّ اللاحق للخاصّ لا ينعقد له ظهور في العموم إلاّ بدويّا بالنسبة إلى من لا يعلم بسبق الخاصّ ، لجواز أن يعتمد المتكلّم في بيان مراده على سبقه ، فيكون المخصّص السابق كالمخصّص المتّصل أو كالقرينة الحاليّة ، فلا يكون العامّ ظاهرا في العموم حتّى يتوهّم أنّه ظاهر في ثبوت الحكم الواقعيّ.
الصورتان : الرابعة والخامسة
إذا كانا مجهولي التأريخ أو أحدهما فقط كان مجهولا ؛ فإنّه يعلم الحال فيهما ممّا تقدّم ، فيحمل على التخصيص بلا كلام. ولا وجه لتوهّم النسخ ، لا سيّما بعد أن رجّحنا التخصيص في جميع الصور ، وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.