وأمّا لو دار الأمر بينهما إذ لم يقم دليل على تعيين أحدهما ، فأيّهما أرجح في الحمل؟
فنقول : الأقرب إلى الصواب هو الحمل على التخصيص.
والوجه فيه :
أنّ أصالة العموم ـ بما هي ـ لا تثبت أكثر من أنّ ما يظهر من العامّ هو المراد الجدّيّ للمتكلّم ، ولا شكّ أنّ الحكم الصّوريّ ـ الذي نسمّيه بـ «الحكم الظاهريّ» ـ كالواقعيّ مراد جدّيّ للمتكلّم ؛ لأنّه مقصود بالتفهيم ؛ فالعامّ ليس ظاهرا إلاّ في أنّ المراد الجدّي هو العموم ، سواء كان العموم حكما واقعيّا أو صوريّا ؛ أمّا أنّ الحكم واقعيّ فلا يقتضيه الظهور أبدا حتّى يثبت بأصالة العموم ، لا سيّما أنّ المعلوم من طريقة صاحب الشريعة هو بيان العمومات مجرّدة عن قرائن التخصيص ، ويكشف المراد الواقعيّ منها بدليل منفصل ، حتى اشتهر القول بأنّه «ما من عامّ إلاّ وقد خصّ» ، كما سبق .
وعليه ، فلا دليل من أصالة العموم على أنّ الحكم واقعيّ حتّى نلتجئ إلى الحمل على النسخ ، بل إرادة الحكم الواقعيّ من العامّ على ذلك الوجه يحتاج إلى مئونة بيان زائد أكثر من ظهور العموم.
ولأجل هذا قلنا : إنّ الحمل على التخصيص أقرب إلى الصواب من الحمل على النسخ ، وإن كان كلّ منهما ممكنا.