٣. في الدوران بين الأقلّ والأكثر إذا كان المخصّص منفصلا ، فإنّ الحقّ فيه أنّ إجمال الخاصّ لا يسري إلى العامّ ، أي إنّه يصحّ التمسّك بأصالة العموم لإدخال ما عدا الأقلّ في حكم العامّ.
والحجّة فيه واضحة بناء على ما تقدّم في الفصل الثاني من أنّ العامّ المخصّص بالمنفصل ينعقد له ظهور في العموم ، وإذا كان يقدّم عليه الخاصّ فمن باب تقديم أقوى الحجّتين ؛ فإذا كان الخاصّ مجملا في الزائد على القدر المتيقّن منه ، فلا يكون حجّة في الزائد ؛ لأنّه ـ حسب الفرض ـ مجمل لا ظهور له فيه ، وإنّما تنحصر حجّيّته في القدر المتيقّن وهو الأقل.
فكيف يزاحم العامّ المنعقد ظهوره في الشمول لجميع أفراده التي منها القدر المتيقّن من الخاصّ ومنها القدر الزائد عليه المشكوك دخوله في الخاصّ ؛ فإذا خرج القدر المتيقّن بحجّة أقوى من العامّ يبقى القدر الزائد لا مزاحم لحجّيّة العامّ وظهوره فيه.
٤. في الدوران بين المتباينين إذا كان المخصّص منفصلا ، فإنّ الحقّ فيه أنّ إجمال الخاصّ يسري إلى العامّ ، كالمخصّص المتّصل ؛ لأنّ المفروض حصول العلم الإجماليّ بالتخصيص واقعا ، وإن تردّد بين شيئين ، فيسقط العموم عن الحجّيّة في كلّ واحد منهما.
والفرق بينه وبين المخصّص المتّصل المجمل أنّه في المتّصل يرتفع ظهور الكلام في العموم رأسا ، وفي المنفصل المردّد بين المتباينين ترتفع حجّيّة الظهور ، وإن كان الظهور البدويّ باقيا ، فلا يمكن التمسّك بأصالة العموم في أحد المردّدين.
بل لو فرض أنّها تجري بالقياس إلى احدهما فهي تجري أيضا بالقياس إلى الآخر ، ولا يمكن جريانهما معا ؛ لخروج أحدهما عن العموم قطعا ، فيتعارضان ويتساقطان. وإن كان الحقّ أنّ نفس وجود العلم الإجماليّ يمنع من جريان أصالة العموم في كلّ منهما رأسا ، لا أنّها تجري فيهما فيحصل التعارض ثمّ التساقط.