٥. هل يسري إجمال المخصّص إلى العامّ؟
كان البحث السابق ـ وهو «حجّية العامّ في الباقي» ـ في فرض أنّ الخاصّ مبيّن لا إجمال فيه ، وإنّما الشكّ في تخصيص غيره ممّا علم خروجه من الخاصّ.
وعلينا الآن أن نبحث عن حجّيّة العامّ في فرض إجمال الخاصّ. والإجمال على نحوين :
١. «الشبهة المفهوميّة» : وهي في فرض الشكّ في نفس مفهوم الخاصّ بأن كان مجملا ، نحو قوله عليهالسلام : «كلّ ماء طاهر إلاّ ما تغيّر طعمه أو لونه أو ريحه» الذي يشكّ فيه أنّ المراد من التغيّر خصوص التغيّر الحسّيّ ، أو ما يشمل التغيّر التقديريّ. ونحو قولنا : «أحسن الظنّ إلاّ بخالد» الذي يشكّ فيه أنّ المراد من خالد هو خالد بن بكر أو خالد بن سعد ، مثلا.
٢. «الشبهة المصداقيّة» : وهي في فرض الشكّ في دخول فرد من أفراد العامّ في الخاصّ مع وضوح مفهوم الخاصّ ، بأن كان مبيّنا لا إجمال فيه ، كما إذا شكّ في مثال الماء السابق أنّ ماء معيّنا أتغيّر بالنجاسة فدخل في حكم الخاصّ أم لم يتغيّر فهو لا يزال باقيا على طهارته؟
والكلام في الشبهتين يختلف اختلافا بيّنا. فلنفرد لكلّ منهما بحثا مستقلاّ.
أ) الشبهة المفهوميّة
الدوران في الشبهة المفهوميّة تارة يكون بين الأقلّ والأكثر ، كالمثال الأوّل ، فإنّ الأمر دائر فيه بين تخصيص خصوص التغيّر الحسّيّ أو يعمّ التقديريّ ، فالأقلّ هو التغيّر الحسّيّ ، وهو المتيقّن ، والأكثر هو الأعمّ منه ومن التقديريّ. وأخرى ، يكون بين المتباينين ، كالمثال الثاني ، فإنّ الأمر دائر فيه بين تخصيص خالد بن بكر وبين خالد بن سعد ، ولا قدر متيقّن في البين.
ثمّ على كلّ من التقديرين ، إمّا أن يكون المخصّص متّصلا أو منفصلا. والحكم في المقام يختلف باختلاف هذه الأقسام الأربعة في الجملة ، فلنذكرها بالتفصيل :
١ ، ٢. فيما إذا كان المخصّص متّصلا ، سواء كان الدوران فيه بين الأقلّ والأكثر أو بين المتباينين ؛ فإنّ الحقّ فيه أنّ إجمال المخصّص يسري إلى العامّ ، أي إنّه لا يمكن التمسّك بأصالة العموم لإدخال المشكوك في حكم العامّ.
وهو واضح على ما ذكرناه سابقا من أنّ المخصّص المتّصل من نوع قرينة الكلام المتّصلة ، فلا ينعقد للعامّ ظهور إلاّ فيما عدا الخاصّ ، فإذا كان الخاصّ مجملا سرى إجماله إلى العامّ ؛ لأنّ ما عدا الخاصّ غير معلوم ، فلا ينعقد للعامّ ظهور فيها لم يعلم خروجه عن عنوان الخاصّ.