سبد خرید
جمع سبد خرید
0

درس 47: خاتمة / دلالة الاقتضاء

11 مرداد 1403

درس 47: خاتمة / دلالة الاقتضاء

اصول مظفر: درس 47

خاتمة : في دلالة الاقتضاء والتنبيه والإشارة

تمهيد
يجري كثيرا على لسان الفقهاء والأصوليّين ذكر دلالة الاقتضاء والتنبيه والإشارة ، ولم تشرح هذه الدلالات في أكثر الكتب الأصوليّة المتعارفة. ولذلك رأينا أن نبحث عنها بشيء من التفصيل لفائدة المبتدئين. والبحث عنها يقع من جهتين : الأولى : في مواقع هذه الدلالات الثلاث وأنّها من أيّ أقسام الدلالات. والثانية : في حجّيتها.

الجهة الأولى : مواقع الدلالات الثلاث :
قد تقدّم أنّ المفهوم هو مدلول الجملة التركيبيّة اللازمة للمنطوق لزوما بيّنا بالمعنى الأخصّ. ويقابله المنطوق الذي هو مدلول ذات اللفظ بالدلالة المطابقيّة.
ولكن يبقى هناك من المدلولات ما لا يدخل في المفهوم ولا في المنطوق اصطلاحا ، كما إذا دلّ الكلام بالدلالة الالتزاميّة على لفظ مفرد أو معنى مفرد ليس مذكورا في المنطوق صريحا ، أو إذا دلّ الكلام على مفاد جملة لازمة للمنطوق ، إلاّ أنّ اللزوم ليس على نحو اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ ؛ فإنّ هذه كلّها لا تسمّى مفهوما ولا منطوقا ، إذن ما ذا تسمّى هذه الدلالة في هذه المقامات؟
نقول : الأنسب أن نسمّي مثل هذه الدلالة ـ على وجه العموم ـ «الدلالة السياقيّة» ، كما ربّما يجري هذا التعبير في لسان جملة من الأساطين لتكون في مقابل الدلالة المفهوميّة والمنطوقيّة.
والمقصود بها ـ على هذا ـ أنّ سياق الكلام يدلّ على المعنى المفرد أو المركّب أو اللفظ المقدّر. وقسّموها إلى الدلالات الثلاث المذكورة : الاقتضاء ، والتنبيه ، والإشارة ، فلنبحث عنها واحدة واحدة.

١. دلالة الاقتضاء
وهي أن تكون الدلالة مقصودة للمتكلّم بحسب العرف ، ويتوقّف صدق الكلام أو صحّته عقلا ، أو شرعا ، أو لغة ، أو عادة عليها.
مثالها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ، فإنّ صدق الكلام يتوقّف على تقدير الأحكام والآثار الشرعيّة لتكون هي المنفيّة حقيقة ؛ لوجود الضرر والضرار قطعا عند المسلمين ، فيكون النفي للضرر باعتبار نفي آثاره الشرعيّة وأحكامه. ومثله «رفع عن أمّتي ما لا يعلمون وما اضطرّوا إليه ...».
مثال آخر ، قوله عليه‌السلام : «لا صلاة لمن جاره المسجد إلاّ في المسجد» ؛ فإنّ صدق الكلام وصحّته تتوقّف على تقدير كلمة «كاملة» محذوفة ليكون المنفيّ كمال الصلاة ، لا أصل الصلاة.
مثال ثالث قوله (تعالى) : ﴿وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ﴾، فإنّ صحّته عقلا تتوقّف على تقدير لفظ «أهل» ، فيكون من باب حذف المضاف ، أو على تقدير معنى «أهل» ، فيكون من باب المجاز في الإسناد.
مثال رابع قولهم : «أعتق عبدك عنّي على ألف» ، فإنّ صحّة هذا الكلام شرعا تتوقّف على طلب تمليكه أوّلا له بألف ؛ لأنّه لا عتق إلاّ في ملك ، فيكون التقدير «ملّكني العبد بألف ثمّ أعتقه عنّي».
مثال خامس قول الشاعر :
نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف؛
فإنّ صحّته لغة تتوقّف على تقدير «راضون» خبرا للمبتدا «نحن» ؛ لأنّ «راض» مفرد لا يصحّ أن يكون خبرا لنحن.
[مثال سادس ، قولهم : «رأيت أسدا في الحمّام» ، فإنّ صحّته عادة تتوقّف على إرادة الرجل الشجاع من لفظ «أسد»] .

وجميع الدلالات الالتزاميّة على المعاني المفردة ، وجميع المجازات في الكلمة أو في الإسناد ترجع إلى «دلالة الاقتضاء».
فإن قال قائل : إنّ دلالة اللفظ على معناه المجازيّ من الدلالة المطابقيّة ، فكيف جعلتم المجاز من نوع دلالة الاقتضاء؟!
نقول له : هذا صحيح ، ومقصودنا من كون الدلالة على المعنى المجازيّ من نوع دلالة الاقتضاء هو دلالة نفس القرينة المحفوف بها الكلام على إرادة المعنى المجازيّ من اللفظ ، لا دلالة نفس اللفظ عليه بتوسّط القرينة.
والخلاصة أنّ المناط في دلالة الاقتضاء شيئان : الأوّل : أن تكون الدلالة مقصودة. والثاني : أن يكون الكلام لا يصدق أو لا يصحّ بدونها. ولا يفرق فيها بين أن يكون لفظا مضمرا أو معنى مرادا ، حقيقيّا أو مجازيّا.