وإنّما الخلاف عند تجرّد القضيّة عن القرائن الخاصّة ، فإنّهم اختلفوا في أنّ مجرّد التقييد بالوصف هل يدلّ على المفهوم ـ أي انتفاء حكم الموصوف عند انتفاء الوصف ـ أو لا يدلّ؟ نظير الاختلاف المتقدّم في التقييد بالشرط. وفي المسألة قولان : والمشهور القول الثاني ، وهو عدم المفهوم .
والسرّ في الخلاف يرجع إلى أنّ التقييد المستفاد من الوصف هل هو تقييد لنفس الحكم ـ أي إنّ الحكم منوط به ـ أو أنّه تقييد لنفس موضوع الحكم أو متعلّق الموضوع باختلاف الموارد ، فيكون الموضوع أو متعلّق الموضوع هو المجموع المؤلّف من الموصوف والوصف؟
فإن كان الأوّل فإنّ التقييد بالوصف يكون ظاهرا في انتفاء الحكم عند انتفائه بمقتضى الإطلاق ؛ لأنّ الإطلاق يقتضي ـ بعد فرض إناطة الحكم بالوصف ـ انحصاره فيه كما قلنا في التقييد بالشرط.
وإن كان الثاني فإنّ التقييد لا يكون ظاهرا في انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف ؛ لأنّه حينئذ يكون من قبيل مفهوم اللقب ؛ إذ إنّه يكون التعبير بالوصف والموصوف لتحديد موضوع الحكم فقط ، لا أنّ الموضوع ذات الموصوف ، والوصف قيد للحكم عليه ، مثل ما إذا قال القائل : «اصنع شكلا رباعيّا قائم الزوايا ، متساوي الأضلاع» ، فإنّ المفهوم منه أنّ المطلوب صنعه هو المربّع ، فعبّر عنه بهذه القيود الدالّة عليه ، حيث يكون الموضوع هو مجموع المعنى المدلول عليه بالعبارة المؤلّفة من الموصوف والوصف ، وهي في المثال «شكل رباعيّ قائم الزوايا ، متساوي الأضلاع» ، وهي بمنزلة كلمة مربّع ، فكما أنّ جملة «اصنع مربّعا» لا تدلّ على الانتفاء عند الانتفاء ، كذلك ما هو بمنزلتها لا يدلّ عليه ؛ لأنّه في الحقيقة يكون من قبيل الوصف غير المعتمد على الموصوف.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنّ الظاهر في الوصف ـ لو خلّي وطبعه من دون قرينة ـ أنّه من قبيل الثاني ـ أي إنّه قيد للموضوع لا للحكم ـ ، فيكون الحكم من جهته مطلقا غير مقيّد ، فلا مفهوم للوصف.
ومن هذا التقرير يظهر بطلان ما استدلّوا به لمفهوم الوصف من الأدلّة الآتية :
١. إنّه لو لم يدلّ الوصف على الانتفاء عند الانتفاء لم تبق فائدة فيه.
والجواب : أنّ الفائدة غير منحصرة برجوعه إلى الحكم. وكفى فائدة فيه تحديد موضوع الحكم وتقييده به.
٢. إنّ الأصل في القيود أن تكون احترازيّة.
والجواب : أنّ هذا مسلّم ، ولكن معنى الاحتراز هو تضييق دائرة الموضوع ، وإخراج ما عدا القيد عن شمول شخص الحكم له. ونحن نقول به ، وليس هذا من المفهوم في شيء ؛ لأنّ إثبات الحكم لموضوع لا ينفي ثبوت سنخ الحكم لما عداه ، كما في مفهوم اللقب. والحاصل أنّ كون القيد احترازيّا لا يلزم إرجاعه قيدا للحكم.
٣. إنّ الوصف مشعر بالعلّية ، فيلزم إناطة الحكم به.
والجواب : أنّ هذا الإشعار وإن كان مسلّما ، إلاّ أنّه ما لم يصل إلى حدّ الظهور لا ينفع في الدلالة على المفهوم.
٤. الاستدلال بالجمل التي ثبتت دلالتها على المفهوم ، مثل قوله صلىاللهعليهوآله : «مطل الغنيّ ظلم».
والجواب : أنّ ذلك على تقديره لا ينفع ؛ لأنّا لا نمنع من دلالة التقييد بالوصف على المفهوم أحيانا لوجود قرينة ، وإنّما موضوع البحث في اقتضاء طبع الوصف ـ لو خلّي ونفسه ـ للمفهوم. وفي خصوص المثال نجد القرينة على إناطة الحكم بالغنى من جهة مناسبة الحكم والموضوع ، فيفهم أنّ السبب في الحكم كون المدين غنيّا ، فيكون مطله ظلما ، بخلاف المدين الفقير ؛ لعجزه عن أداء الدين ، فلا يكون مطله ظلما.