الثاني : مفهوم الوصف
موضوع البحث
المقصود بالوصف هنا ما يعمّ النعت وغيره ، فيشمل الحال والتمييز ونحوهما ممّا يصلح أن يكون قيدا لموضوع التكليف ؛ كما أنّه يختصّ بما إذا كان معتمدا على موصوف ، فلا يشمل ما إذا كان الوصف نفسه موضوعا للحكم ، نحو : ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما﴾ فإنّ مثل هذا يدخل في باب مفهوم اللقب. والسرّ في ذلك أنّ الدلالة على انتفاء [الحكم عند انتفاء] الوصف لا بدّ فيها من فرض موضوع ثابت للحكم يقيّد بالوصف مرّة ، ويتجرّد عنه أخرى ، حتّى يمكن فرض نفي الحكم عنه.
ويعتبر ـ أيضا ـ في المبحوث عنه هنا أن يكون أخصّ من الموصوف مطلقا أو من وجه ؛ لأنّه لو كان مساويا ، أو أعمّ مطلقا لا يوجب تضييقا وتقييدا في الموصوف ، حتّى يصحّ فرض انتفاء الحكم عن الموصوف عند انتفاء الوصف.
وأمّا دخول الأخصّ من وجه في محلّ البحث فإنّما هو بالقياس إلى مورد افتراق الموصوف عن الوصف ، ففي مثال : «في الغنم السائمة زكاة» يكون مفهومه ـ لو كان له مفهوم ـ عدم وجوب الزكاة في الغنم غير السائمة وهي المعلوفة. وأمّا بالقياس إلى مورد افتراق الوصف عن الموصوف فلا دلالة له على المفهوم قطعا ، فلا يدلّ المثال على عدم الزكاة في غير الغنم السائمة أو غير السائمة كالإبل ـ مثلا ـ ؛ لأنّ الموضوع ـ وهو الموصوف الذي هو الغنم في المثال ـ يجب أن يكون محفوظا في المفهوم ، ولا يكون متعرّضا لموضوع آخر ، ولا نفيا ولا إثباتا.
فما عن بعض الشافعيّة من القول بدلالة القضيّة المذكورة على عدم الزكاة في الإبل المعلوفة لا وجه له قطعا.
الأقوال في المسألة والحقّ فيها
لا شكّ في دلالة التقييد بالوصف على المفهوم عند وجود القرينة الخاصّة ، ولا شكّ في عدم الدلالة عند وجود القرينة على ذلك ، مثل ما إذا ورد الوصف مورد الغالب الذي يفهم منه عدم إناطة الحكم به وجودا وعدما ، نحو قوله (تعالى) : ﴿وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾ ؛ فإنّه لا مفهوم لمثل هذه القضيّة مطلقا ؛ إذ يفهم منه أنّ وصف الربائب بأنّها في حجوركم لأنّها غالبا تكون كذلك ، والغرض منه الإشعار بعلّة الحكم ؛ إذ أنّ اللاّئي تربّى في الحجور تكون كالبنات.