فإذا كانت جملة إنشائيّة ـ أي إنّ التالي متضمّن لإنشاء حكم تكليفيّ أو وضعيّ ـ فإنّها تدلّ على تعليق الحكم على الشرط ، فتدلّ على انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط المعلّق عليه الحكم.
وإذا كانت جملة خبريّة ـ أي إنّ التالي متضمّن لحكاية خبر ـ فإنّها تدلّ على تعليق حكايته على المقدّم ، سواء كان المحكيّ عنه خارجا وفي الواقع مترتّبا على المقدّم ، فتتطابق الحكاية مع المحكيّ عنه ، كقولنا : «إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود» ، أو مترتّبا عليه بأن كان العكس كقولنا : «إن كان النهار موجودا فالشمس طالعة» ، أو كان لا ترتّب بينهما ، كالمتضايفين في مثل قولنا : «إن كان خالد ابنا لزيد فزيد أبوه».
٣. وأمّا دلالتها على أنّ الشرط منحصر ، فبالإطلاق ؛ لأنّه لو كان هناك شرط آخر للجزاء بديل لذلك الشرط ، وكذا لو كان معه شيء آخر يكونان معا شرطا للحكم ، لاحتاج ذلك إلى بيان زائد إمّا بالعطف بـ «أو» في الصورة الأولى ، أو العطف بالواو في الصورة الثانية ؛ لأنّ الترتّب على الشرط ظاهر في أنّه بعنوانه الخاصّ مستقلاّ هو الشرط المعلّق عليه الجزاء ، فإذا أطلق تعليق الجزاء على الشرط فإنّه يستكشف منه أنّ الشرط مستقلّ لا قيد آخر معه ، وأنّه منحصر لا بديل ، ولا عدل له ، وإلاّ لوجب على الحكيم بيانه وهو ـ حسب الفرض ـ في مقام البيان. وهذا نظير ظهور صيغة «افعل» بإطلاقها في الوجوب العينيّ والتعيينيّ.
وإلى هنا تمّ لنا ما أردنا أن نذهب إليه من ظهور الجملة الشرطية في الأمور التي بها تكون ظاهرة في المفهوم.
وعلى كلّ حال ، إنّ ظهور الجملة الشرطيّة في المفهوم ممّا لا ينبغي أن يتطرّق إليه الشكّ ، إلاّ مع قرينة صارفة ، أو تكون واردة لبيان الموضوع. ويشهد لذلك استدلال إمامنا الصادق عليهالسلام بالمفهوم في رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الشاة تذبح فلا تتحرّك ويهراق منها دم كثير عبيط؟ فقال عليهالسلام : «لا تأكل إنّ عليّا عليهالسلام كان يقول : إذا ركضت الرّجل أو طرفت العين فكل» ، فإنّ استدلال الإمام بقول عليّ عليهالسلام لا يكون إلاّ إذا كان له مفهوم ، وهو إذا لم تركض الرّجل أو لم تطرف العين فلا تأكل.
إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء
ومن لواحق مبحث «مفهوم الشرط» مسألة ما إذا وردت جملتان شرطيّتان أو أكثر ، وقد تعدّد الشرط فيهما وكان الجزاء واحدا. وهذا يقع على نحوين :
١. أن يكون الجزاء غير قابل للتكرار ، نحو التقصير في السفر فيما ورد «إذا خفي الأذان فقصّر» ، و «إذا خفيت الجدران فقصّر».
٢. أن يكون الجزاء قابلا للتكرار ، كما في نحو «إذا أجنبت فاغتسل» ، «إذا مسست ميّتا فاغتسل».
أمّا النحو الأوّل : فيقع فيه التعارض بين الدليلين ، بناء على مفهوم الشرط ، ولكن التعارض إنّما هو بين مفهوم كلّ منهما مع منطوق الآخر ، كما هو واضح. فلا بدّ من التصرّف فيهما بأحد وجهين :
الوجه الأوّل : أن نقيّد كلاّ من الشرطيّتين من ناحية ظهورهما في الاستقلال بالسببيّة ، ذلك الظهور الناشئ من الإطلاق ـ كما سبق ـ الذي يقابله التقييد بالعطف بالواو ، فيكون الشرط في الحقيقة هو المركّب من الشرطين ، وكلّ منهما يكون جزء السبب ، والجملتان تكونان حينئذ كجملة واحدة مقدّمها المركّب من الشرطين ، بأن يكون مؤدّاهما هكذا «إذا خفي الأذان والجدران معا فقصّر».
وربّما يكون لهاتين الجملتين معا حينئذ مفهوم واحد ، وهو انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرطين معا ، أو أحدهما ، كما لو كانا جملة واحدة.
الوجه الثاني : أن نقيّدهما من ناحية ظهورهما في الانحصار ، ذلك الظهور الناشئ من الإطلاق المقابل للتقييد بـ «أو». وحينئذ يكون الشرط أحدهما على البدليّة أو الجامع بينهما على أن يكون كلّ منهما مصداقا له ، وذلك حينما يمكن فرض الجامع بينهما ولو كان عرفيّا.