٣. أقسام المفهوم
ينقسم المفهوم إلى مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة :
١. مفهوم الموافقة ما كان الحكم في المفهوم موافقا في السنخ للحكم الموجود في المنطوق ، فإن كان الحكم في المنطوق الوجوب ـ مثلا ـ كان في المفهوم الوجوب أيضا ، وهكذا ، كدلالة الأولويّة في مثل قوله (تعالى) : ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ﴾ (١) على النهي عن الضرب والشتم للأبوين ، ونحو ذلك ممّا هو أشدّ إهانة وإيلاما من التأفيف المحرّم بحكم الآية.
وقد يسمّى هذا المفهوم «فحوى الخطاب».
ولا نزاع في حجّيّة مفهوم الموافقة ، بمعنى دلالة الأولويّة على تعدّي الحكم إلى ما هو أولى في علّة الحكم ، وله تفصيل كلام يأتي في موضعه.
٢. مفهوم المخالفة ما كان الحكم فيه مخالفا في السنخ للحكم الموجود في المنطوق ، وله موارد كثيرة وقع الكلام فيها نذكرها بالتفصيل ، وهي ستّة :
١. مفهوم الشرط.
٢. مفهوم الوصف.
٣. مفهوم الغاية.
٤. مفهوم الحصر.
٥. مفهوم العدد.
٦. مفهوم اللقب.
الأوّل : مفهوم الشرط
تحرير محلّ النزاع
لا شكّ في أنّ الجملة الشرطيّة يدلّ منطوقها ـ بالوضع ـ على تعليق التالي فيها على المقدّم الواقع موقع الفرض والتقدير. وهي على نحوين :
١. أن تكون مسوقة لبيان موضوع الحكم ، أي إنّ المقدّم هو نفس موضوع الحكم ، حيث يكون الحكم في التالي منوطا بالشرط في المقدّم على وجه لا يعقل فرض الحكم بدونه ، نحو قولهم : «إن رزقت ولدا فاختنه» ؛ فإنّه في المثال لا يعقل فرض ختان الولد إلاّ بعد فرض وجوده. ومنه قوله (تعالى) : ﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً﴾ ؛ (١) فإنّه لا يعقل فرض الإكراه على البغاء إلاّ بعد فرض إرادة التحصّن من قبل الفتيات.
وقد اتّفق الأصوليّون على أنّه لا مفهوم لهذا النحو من الجملة الشرطيّة ؛ لأنّ انتفاء الشرط معناه انتفاء موضوع الحكم ، فلا معنى للحكم بانتفاء التالي على تقدير انتفاء المقدّم إلاّ على نحو السالبة بانتفاء الموضوع. ولا حكم حينئذ بالانتفاء ، بل هو انتفاء الحكم. فلا مفهوم للشرطيّة في المثالين ، فلا يقال : «إن لم ترزق ولدا فلا تختنه» ولا يقال : «إن لم يردن تحصّنا فأكرهوهنّ على البغاء».
٢. ألاّ تكون مسوقة لبيان الموضوع ، حيث يكون الحكم في التالي منوطا بالشرط على وجه يمكن فرض الحكم بدونه ، نحو قولهم : «إن أحسن صديقك فأحسن إليه» ، فإنّ فرض الإحسان إلى الصديق لا يتوقّف عقلا على فرض صدور الإحسان منه ، فإنّه يمكن الإحسان إليه ، أحسن أو لم يحسن.
وهذا النحو الثاني من الشرطيّة هو محلّ النزاع في مسألتنا ، ومرجعه إلى النزاع في دلالة الشرطيّة على انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط ، بمعنى أنّه هل يستكشف من طبع التعليق على الشرط انتفاء نوع الحكم المعلّق ـ كالوجوب مثلا ـ على تقدير انتفاء الشرط؟
وإنّما قلنا : «نوع الحكم» (١) ؛ لأنّ شخص كلّ حكم في القضيّة الشرطيّة أو غيرها ينتفي بانتفاء موضوعه ، أو أحد قيود الموضوع ، سواء كان للقضيّة مفهوم ، أو لم يكن.
وفي مفهوم الشرطيّة قولان : أقواهما أنّها تدلّ على الانتفاء عند الانتفاء.