٦. الموسّع والمضيّق
ينقسم الواجب باعتبار الوقت إلى قسمين : موقّت وغير موقّت.
ثمّ الموقّت إلى موسّع ومضيّق.
ثمّ غير الموقّت إلى فوريّ وغير فوريّ.
ولنبدأ بغير الموقّت مقدّمة ، فنقول :
غير الموقّت «ما لم يعتبر فيه شرعا وقت مخصوص» ، وإن كان كلّ فعل لا يخلو عقلا من زمن يكون ظرفا له ، كقضاء الفائتة ، وإزالة النجاسة عن المسجد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونحو ذلك.
وهو ـ كما قلنا ـ على قسمين :
فوريّ وهو «ما لا يجوز تأخيره عن أوّل أزمنة إمكانه» ، كإزالة النجاسة عن المسجد ، وردّ السلام ، والأمر بالمعروف.
وغير فوريّ وهو «ما يجوز تأخيره عن أوّل أزمنة إمكانه» ، كالصلاة على الميّت ، وقضاء الصلاة الفائتة ، والزكاة ، والخمس.
والموقّت «ما اعتبر فيه شرعا وقت مخصوص» ، كالصلاة والحجّ والصوم ونحوها وهو لا يخلو عقلا من وجوه ثلاثة : إمّا أن يكون فعله زائدا على وقته المعيّن له ، أو مساويا له ، أو ناقصا عنه. والأوّل ممتنع ؛ لأنّه من التكليف بما لا يطاق. والثاني لا ينبغي الإشكال في إمكانه ووقوعه ، وهو المسمّى «المضيّق» ، كالصوم ؛ إذ فعله ينطبق على وقته بلا زيادة ولا نقصان من طلوع الفجر إلى الغروب. والثالث هو المسمّى «الموسّع» ؛ لأنّ فيه توسعة على المكلّف في أوّل الوقت وفي أثنائه وآخره ، كالصّلاة اليوميّة وصلاة الآيات ، فإنّه لا يجوز تركه في جميع الوقت ، ويكتفى بفعله مرّة واحدة في ضمن الوقت المحدّد له.
ولا إشكال عند العلماء في ورود ما ظاهره التوسعة في الشريعة ، وإنّما اختلفوا في جوازه عقلا على قولين : إمكانه ، وامتناعه. ومن قال بامتناعه أوّل ما ورد على الوجه الذي يدفع الإشكال عنده على ما سيأتي.
والحقّ عندنا جواز الموسّع عقلا ووقوعه شرعا.
ومنشأ الإشكال عند القائل بامتناع الموسّع أنّ حقيقة الوجوب متقوّمة بالمنع من الترك ـ كما تقدّم ـ فينافيه الحكم بجواز تركه في أوّل الوقت أو وسطه.
والجواب عنه واضح ؛ فإنّ الواجب الموسّع فعل واحد ، وهو طبيعة الفعل المقيّد بطبيعة الوقت المحدود بحدّين على ألاّ يخرج الفعل عن الوقت ، فتكون الطبيعة بملاحظة ذاتها واجبة لا يجوز تركها ، غير أنّ الوقت لمّا كان يسع لإيقاعها فيه عدّة مرّات ، كان لها أفراد طوليّة تدريجيّة مقدّرة الوجود في أوّل الوقت وثانيه وثالثه إلى آخره ، فيقع التخيير العقليّ بين الأفراد الطوليّة ، كالتخيير العقليّ بين الأفراد العرضيّة للطبيعة المأمور بها ، فيجوز الإتيان بفرد وترك الآخر من دون أن يكون جواز الترك له مساس في نفس المأمور به ، وهو طبيعة الفعل في الوقت المحدود. فلا منافاة بين وجوب الطبيعة بملاحظة ذاتها وبين جواز ترك أفرادها عدا فرد واحد.
والقائلون بالامتناع التجئوا إلى تأويل ما ظاهره التوسعة في الشريعة ، فقال بعضهم بوجوبه في أوّل الوقت ، والإتيان به في الزمان الباقي يكون من باب القضاء والتدارك لما فات من الفعل في أوّل الوقت. وقال آخر بوجوبه في آخر الوقت ، والإتيان به قبله من باب النفل يسقط به الفرض ، نظير إيقاع غسل الجمعة في يوم الخميس وليلة الجمعة. وقيل : غير ذلك.
وكلّها أقوال متروكة عند علمائنا ، واضحة البطلان. فلا حاجة إلى الإطالة في ردّها.