سبد خرید
جمع سبد خرید
0

درس 21: التعبدی و التوصّلی، تمهید، منشاء الخلاف

10 مرداد 1403

درس 21: التعبدی و التوصّلی، تمهید، منشاء الخلاف

اصول مظفر: درس 21

٣. التعبّديّ والتوصّليّ
تمهيد
كلّ متفقّه يعرف أنّ في الشريعة المقدّسة واجبات لا تصحّ ولا تسقط أوامرها إلاّ بإتيانها قربيّة إلى وجه الله (تعالى).
وكونها قربيّة إنّما هو بإتيانها بقصد امتثال أوامرها أو بغيره من وجوه قصد القربة إلى الله (تعالى) ، على ما ستأتي الإشارة إليها. وتسمّى هذه الواجبات «العباديّات» ، أو «التعبّديّات» ، كالصلاة والصوم ونحوها.
وهناك واجبات أخرى تسمّى «التوصّليّات» وهي التي تسقط أوامرها بمجرّد وجودها وإن لم يقصد بها القربة ، كإنقاذ الغريق ، وأداء الدين ، ودفن الميّت ، وتطهير الثوب والبدن للصلاة ، ونحو ذلك.
وللتعبّديّ والتوصّليّ تعريف آخر كان مشهورا عند القدماء ، وهو أنّ التوصّليّ «ما كان الداعي للأمر به معلوما» ، وفي قباله التعبّديّ وهو «ما لم يعلم الغرض منه». وإنّما سمّي تعبّديّا ؛ لأنّ الغرض الداعي للمأمور ليس إلاّ التعبّد بأمر المولى فقط. ولكن التعريف غير صحيح إلاّ إذا أريد به اصطلاح ثان للتعبّديّ والتوصّليّ ، فيراد بالتعبّد التسليم لله (تعالى) فيما أمر به وإن كان المأمور به توصّليّا بالمعنى الأوّل ، كما يقولون مثلا : «نعمل هذا تعبّدا» ويقولون : «نعمل هذا من باب التعبّد» ، أي نعمل هذا من باب التسليم لأمر الله (تعالى) وإن لم نعلم المصلحة فيه.
وعلى ما تقدّم من بيان معنى التوصّليّ والتعبّديّ ـ المصطلح الأوّل ـ فإن علم حال واجب بأنّه تعبّديّ أو توصّليّ فلا إشكال ، وإن شكّ في ذلك فهل الأصل كونه تعبّديّا أو توصّليّا؟ فيه خلاف بين الأصوليّين. وينبغي لتوضيح ذلك وبيان المختار تقديم أمور :

أ. منشأ الخلاف وتحريره
إنّ منشأ الخلاف هنا هو الخلاف في إمكان أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر ـ كالصلاة مثلا ـ قيدا له على نحو الجزء أو الشرط على وجه يكون المأمور به المتعلّق للأمر هو الصلاة المأتيّ بها بقصد القربة بهذا القيد ، كقيد الطهارة فيها ؛ إذ يكون المأمور به الصلاة عن طهارة لا الصلاة المجرّدة عن هذا القيد من حيث هي هي.
فمن قال بإمكان أخذ هذا القيد ـ وهو قصد القربة ـ كان مقتضى الأصل عنده التوصّليّة إلاّ إذا دلّ دليل خاصّ على التعبّديّة ، كسائر القيود الأخرى ؛ لما عرفت أنّ إطلاق كلام المولى حجّة يجب الأخذ به ما لم يثبت التقييد ، فعند الشكّ في اعتبار قيد يمكن أخذه في المأمور به فالمرجع أصالة الإطلاق لنفي اعتبار ذلك القيد.
ومن قال باستحالة أخذ قيد قصد القربة فليس له التمسّك بالإطلاق ؛ لأنّ الإطلاق ليس إلاّ عبارة عن عدم التقييد فيما من شأنه التقييد ؛ لأنّ التقابل بينهما من باب تقابل العدم والملكة ـ الملكة : هي التقييد ، وعدمها : الإطلاق ـ. وإذا استحالت الملكة استحال عدمها بما هو عدم ملكة ، لا بما هو عدم مطلق. وهذا واضح ؛ لأنّه إذا كان التقييد مستحيلا في لسان الدليل فعدم التقييد لا يستكشف منه إرادة الإطلاق ؛ فإنّ عدم التقييد يجوز أن يكون لاستحالة التقييد ، ويجوز أن يكون لعدم إرادة التقييد ، ولا طريق لإثبات الثاني بمجرّد عدم ذكر القيد وحده.

وبعد هذا نقول :
إذا شككنا في اعتبار شيء في مراد المولى وما تعلّق به غرضه واقعا ولم يمكن له بيانه فلا محالة يرجع ذلك إلى الشكّ في سقوط الأمر إذا خلا المأتيّ به من ذلك القيد المشكوك. وعند الشكّ في سقوط الأمر ـ أي في امتثاله ـ يحكم العقل بلزوم الإتيان به مع القيد المشكوك كيما يحصل له العلم بفراغ ذمّته من التكليف ؛ لأنّه إذا اشتغلت الذمّة بواجب يقينا فلا بدّ من إحراز الفراغ منه في حكم العقل. وهذا معنى ما اشتهر في لسان الأصوليّين من قولهم : «الاشتغال اليقينيّ يستدعي الفراغ اليقينيّ». وهذا ما يسمّى عندهم بـ «أصل الاشتغال» أو «أصالة الاحتياط».