سبد خرید
جمع سبد خرید
0

درس 05: الاستعمال حقیقی و مجازی، الدلالة تابعة للارادة

9 مرداد 1403

درس 05: الاستعمال حقیقی و مجازی، الدلالة تابعة للارادة

اصول مظفر: درس 05

استعمال اللفظ في معناه الموضوع له «حقيقة» ، واستعماله في غيره المناسب له «مجاز» ، وفي غير المناسب «غلط» ، وهذا أمر محلّ وفاق.
ولكنّه وقع الخلاف في الاستعمال المجازيّ في أنّ صحّته هل هي متوقّفة على ترخيص الواضع وملاحظة العلاقات المذكورة في علم البيان، أو أنّ صحّته طبعيّة تابعة لاستحسان الذوق السليم فكلّما كان المعنى غير الموضوع له مناسبا للمعنى الموضوع له واستحسنه الطبع ، صحّ استعمال اللفظ فيه وإلاّ فلا؟
والأرجح القول الثاني؛ لأنّا نجد صحّة استعمال «الأسد» في «الرجل الشجاع» مجازا ، وإن منع منه الواضع ، وعدم صحّة استعماله مجازا في «كريه رائحة الفم» ـ كما يمثّلون ـ وإن رخّص الواضع. ومؤيّد ذلك اتّفاق اللغات المختلفة غالبا في المعاني المجازيّة ، فترى في كلّ لغة يعبّر عن الرجل الشجاع باللفظ الموضوع للأسد. وهكذا في كثير من المجازات الشائعة عند البشر.

٨. الدلالة تابعة للإرادة

قسّموا الدلالة إلى قسمين : التصوّريّة ، والتصديقيّة :
١. التصوّريّة : وهي أن ينتقل ذهن الإنسان إلى معنى اللفظ بمجرّد صدوره من لافظ ، ولو علم أنّ اللافظ لم يقصده ، كانتقال الذهن إلى المعنى الحقيقيّ عند استعمال اللفظ في معنى مجازيّ ، مع أنّ المعنى الحقيقيّ ليس مقصودا للمتكلّم ، وكانتقال الذهن إلى المعنى من اللفظ الصادر من الساهي أو النائم أو الغالط.

٢. التصديقيّة : وهي دلالة اللفظ على أنّ المعنى مراد للمتكلّم في اللفظ وقاصد لاستعماله فيه. وهذه الدلالة متوقّفة على عدّة أشياء : أوّلا : على إحراز كون المتكلّم في مقام البيان والإفادة ، وثانيا : على إحراز أنّه جادّ غير هازل ، وثالثا : على إحراز أنّه قاصد لمعنى كلامه شاعر به ، ورابعا : على عدم نصب قرينة على إرادة خلاف الموضوع له ، وإلاّ كانت الدلالة التصديقيّة على طبق القرينة المنصوبة.
والمعروف أنّ الدلالة الأولى (التصوّريّة) معلولة للوضع ـ أي أنّ الدلالة الوضعيّة هي الدلالة التصوّريّة ـ. وهذا هو مراد من يقول : «إنّ الدلالة غير تابعة للإرادة ، بل تابعة لعلم السامع بالوضع» .
والحقّ أنّ الدلالة تابعة للإرادة ـ وأوّل من تنبّه لذلك فيما نعلم ، الشيخ نصير الدين الطوسيّ قدس‌سره ـ ؛ لأنّ الدلالة في الحقيقة منحصرة في الدلالة التصديقيّة ، والدلالة التصوّريّة التي يسمّونها دلالة ليست بدلالة ، وإن سمّيت كذلك فإنّه من باب التشبيه والتجوّز ؛ لأنّ التصوّريّة في الحقيقة هي من باب تداعي المعاني الذي يحصل بأدنى مناسبة ، فتقسيم الدلالة إلى تصديقيّة وتصوّريّة تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره.
والسرّ في ذلك أنّ الدلالة حقيقة ـ كما فسّرناها في كتاب المنطق ، الجزء الأوّل بحث الدلالة ـ هي أن يكشف الدالّ عن وجود المدلول ، فيحصل من العلم به العلم بالمدلول ، سواء كان الدالّ لفظا أو غير لفظ ، مثلا إنّ طرقة الباب يقال : إنّها دالّة على وجود شخص على الباب ، طالب لأهل الدار ؛ باعتبار أنّ المطرقة موضوعة لهذه الغاية. وتحليل هذا المعنى أنّ سماع الطرقة يكشف عن وجود طالب قاصد للطلب ، فيحصل من العلم بالطرقة العلم بالطارق وقصده ، ولذلك يتحرّك السامع إلى إجابته. لا أنّه ينتقل ذهن السامع من تصوّر الطرقة إلى تصوّر شخص ما ؛ فإنّ هذا الانتقال قد يحصل بمجرّد تصوّر معنى الباب ، أو الطرقة من دون أن يسمع طرقة ، ولا يسمّى ذلك دلالة. ولذا إنّ الطرقة لو كانت على نحو مخصوص يحصل من حركة الهواء ـ مثلا ـ لا تكون دالّة على ما وضعت له المطرقة وإن خطر في ذهن السامع معنى ذلك.
وهكذا نقول في دلالة الألفاظ على معانيها بدون فرق ؛ فإنّ اللفظ إذا صدر من المتكلّم على نحو يحرز معه أنّه جادّ فيه غير هازل ، وأنّه عن شعور وقصد ، وأنّ غرضه البيان والإفهام ـ ومعنى إحراز ذلك أنّ السامع علم بذلك ـ فإنّ كلامه يكون حينئذ دالاّ على وجود المعنى ، أي وجوده في نفس المتكلّم بوجود قصديّ ، فيكون علم السامع بصدور الكلام منه يستلزم علمه بأنّ المتكلّم قاصد لمعناه لأجل أن يفهمه السامع. وبهذا يكون الكلام دالاّ كما تكون الطرقة دالّة. وينعقد بهذا الكلام ظهور في معناه الموضوع له أو المعنى الذي أقيمت على إرادته قرينة.
ولذا نحن عرّفنا الدلالة اللفظيّة في [كتاب] المنطق بأنّها «هي كون اللفظ بحالة ينشأ من العلم بصدوره من المتكلّم العلم بالمعنى المقصود به» ؛ ومن هنا سمّي المعنى «معنى» أي المقصود ، من عناه إذا قصده.
ولأجل أن يتّضح هذا الأمر جيّدا اعتبر باللافتات التي توضع في هذا العصر للدلالة على أنّ الطريق مغلوق ـ مثلا ـ أو أنّ الاتّجاه في الطريق إلى اليمين أو اليسار ، ونحو ذلك ؛ فإنّ اللافتة إذا كانت موضوعة في موضعها اللائق على وجه منظّم بنحو يظهر منه أنّ وضعها لهداية المستطرقين كان مقصودا لواضعها ؛ فإنّ وجودها هكذا يدلّ حينئذ على ما يقصد منها من غلق الطريق أو الاتّجاه. أمّا لو شاهدتها مطروحة في الطريق مهملة أو عند الكاتب يرسمها ، فإنّ المعنى المكتوب يخطر في ذهن القارئ ، ولكن لا تكون دالّة عنده على أنّ الطريق مغلوقة ، أو أنّ الاتّجاه كذا ، بل أكثر ما يفهم من ذلك أنّها ستوضع لتدلّ على هذا بعد ذلك ، لا أنّ لها الدلالة فعلا.