الحاجة إلى المنطق :
خلق الله الإنسانَ مفطوراً على النُطْقِ، وجَعَل اللِسانَ آلةً يَنْطِقُ بها ولكن - مع ذلك - يحتاج إلى ما يُقوِّم نطقَه ويُصْلِحُه ليكونَ كلامُه على طبق اللّغة التي يتعلّمها، من ناحية هيئات الألفاظ وموادّها: فيحتاج - أولاً - إلى المدرِّب الذي يعوِّدُه على مُمارَستها، و - ثانياً - إلى قانون يَرجِعُ إليه يَعصِم لسانَه عن الخطأ. وذلك هو النحو والصرف.
وكذلك خلق اللهُ الإنسانَ مفطوراً على التفكير بما مَنَحَه من قوة عاقلة مفكرة، لا كالعُجماوات. ولكن - مع ذلك - نجده كثيرَ الخطأ في أفكاره: فيَحْسَبُ ما ليس بعلةٍ علةً، وما ليس بنتيجةٍ لأفكاره نتيجةً، وما ليس ببرهانٍ برهاناً، وقد يَعتقِد بأمرٍ فاسدٍ أو صحيحٍ من مقدماتٍ فاسدةٍ ... وهكذا.
فَهو- إِذَنْ - بحاجة إلى ما يُصَحِّحُ أفكارَه ويُرشِدُه إلى طريق الاستنتاج الصّحيح، ويُدرِّبه على تنظيم أفكاره وتعديلها. وقد ذكروا أنّ (علم المنطق) هو الأداة التي يستعين بها الإنسانُ على العصمة من الخطأ، وتُرشِده إلى تصحيح أفكاره، فكما أن النحو والصرف لا يُعلِّمان الإنسانَ النطقَ وإنما يُعلّمانه تصحيحَ النطق، فكذلك علمُ المنطق لا يُعلّم الإنسانَ التفكيرَ، بل يُرشِدُه إلى تصحيح التفكير.
إِذَنْ فحاجتنا إلى المنطق هي تصحيح أفكارنا. وما أعظمُها من حاجة!
ولو قُلتُم: أنّ الناس يَدرُسون المنطق ويَخطَئُون في تفكيرهم فلا نَفْعَ فيه،
قُلنا لكم: أن النّاس يَدرُسون عِلمَي النحو والصرف، ويَخطَئُون في نُطقهم، وليس ذلك إلاّ لأنّ الدّارس للعلم لا يحصل على ملكة العلم، أو لا يُراعِي قواعده عند الحاجة، أو يُخطئ في تطبيقها، فيشُذُّ عن الصواب.
تعريف علم المنطق
ولذلك عَرفُوا علم المنطق بأنه (آلةٌ قانونيةٌ تَعصِمُ مُراعاتُها الذهنَ عن الخطأ في الفكر). فَانظُرْ إلى كلمةٍ (مراعاتها)، وَاعْرِفْ السرَّ فيها كما قدّمناه، فليس كلُ من تعلَّمَ المنطقَ عَصِمَ عن الخطأ في الفكر، كما أنّه ليس كل من تعلَّمَ النحوَ عَصِمَ عن الخطأ في اللِّسان، بل لابدَّ من مراعاة القواعد وملاحظتها عند الحاجة، ليعصِمَ ذهنُه أو لسانُه.